باستثناء التحالف الانتخابي الذي يجمع الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة "أمل" والذي يشكل امتدادا للتحالف السياسي الاستراتيجي بينهما، تُعتبر معظم التحالفات الانتخابيةالأخرى هجينة لا بل مستفزة للقواعد الشعبية، التي بدأت تتململ مع اتضاح المعالم الاساسية لمعظم اللوائح والاقتراب من حسم المشهد الانتخابي ككل.
فبالرغم من أن التسوية السياسية التي وضعت حدا للفراغ الرئاسي وأدت لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة وبالتالي الى تقارب سياسي بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" دخلت عامها الثاني، الا ان استعداد الجمهورين البرتقالي والأزرق لخوض الانتخابات يدا بيد في عدد من الدوائر وأبرزها زحلة يبدو من غير المألوف تماما بالنسبة اليهم، بعدما كانت معركة 2009 تتركز على التصويب على بعضهما البعض. ولا شك ان القسم الأكبر من الجمهورين قد تخطى هذه الشكليات، لكن قسما لا بأس به يفكر جديا بمقاطعة الانتخابات او التصويت بخلاف قرار القيادتين، وهو حاليا ينتظر ما ستكون عليه اللوائح بشكلها النهائي ليبني على الشيء مقتضاه.
ولعل المفاجأة الكبرى التي صدمت اللبنانيين مؤخرا، قرار النقيب السابق للمعلمين نعمة محفوض خوض الانتخابات على لائحة تيار "المستقبل" في دائرة الشمال الثانية، بعدما كان أحد أبرز الوجوه المُعارضة للسلطة وبخاصة لسياستها الاقتصادية والاجتماعية التي يُعتبر "المستقبل" أبرز واضعيها.
وتنسحب حالة محفوضمن طرابلس الى كسروان–جبيل وزغرتا حيث يتجه "الوطني الحر" للتحالف مع شخصيات مستقلة لطالما هاجمها طوال مسيرته واعتبرها رموزا للفساد كالنائب السابق منصور البون او الوزيرة السابقة نايلة معوض وغيرهما. وتطال ظاهرة "التحالفات الهجينة" والتي ما كانت لتُعتبر كذلك في مرحلة ماضية، تحالف "الكتائب"-"القوات" سواء في زحلة او في دائرة بيروت الأولى، بحيث ورغم اعلان الحزب الذي يرأسه النائب سامي الجميل مرارا وتكرارا انّه لن يخوض الانتخابات الى جانب اي من أحزاب السلطة، ارتأى مؤخرا ان المصلحة الانتخابية تتفوق على ما عداها من مصالح خاصة، ما يجعله يقدم التنازلات في مجال التحالفات لاستثمارها في برلمان 2018. فلم ترحم سهام "الكتائب" منذ تشكيل الحكومة الحالية أيًّا من احزاب السلطة، وقد تركزت في مرحلة من المراحل بشكل اساسي على "القوات" ما أدى لتدهور العلاقة بينهما الى مستوى غير مسبوق، من هنا تخلق محاولات التلاقي من جديد بينهما من دون تأمين الأرضية والظروف المناسبة نوعا من التخبط في شارعيهما، المرجح أن ينعكس قرارا لدى الكثيرين بمقاطعة الانتخابات ككل.
كما تبدو الصورة في دائرة الشمال الثالثة حيث تعتبر المعركة الانتخابية فيها "أم المعارك"، أكثر استفزازا من أي صورة أخرى مع توجه "المردة" و"القومي السوري" للتحالف مع النائب بطرس حرب، بهدف التصدي لرئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل. فان كان لا شيء يجمع سياسيا "المردة" وحرب كما الأخير و"القومي السوري"، الا ان المصلحة الانتخابية كما المصلحة الأبعد المتمثلة بالاطاحة بباسيل تتيح كل ما يُعتبر "محظورات" خارج زمن الانتخابات.
وتماما كما ان التحالفات الهجينة السابق ذكرها تشكل استفزازا للقواعد الشعبية، فكذلك التباعد الحاصل بين "الوطني الحر" و"حزب الله" والذي سيتخذ طابع المواجهة المباشرة في أكثر من دائرة وأبرزها كسروان–جبيل وجزين وزحلة وغيرها من الدوائر. وان كان الطرفان يضعان القرار بالتباعد في خانة "المصلحة الانتخابية" لكليهما، تُظهر الوقائع عكس ذلك في الكثير من الحالات، وبخاصة في جبيل حيث سلكت الأمور منحى خطيرا مع انضمام عدد من العونيين الممتعضين من عدم ترشيحهم على لائحة "الوطني الحر"الى لائحة يشكّلها حزب الله.
ولعل أبرز ما يُشكل استخفافا بعقول اللبنانيين، استخدام الأحزاب حجّة ان التحالفات والتفاهمات الانتخابية لن تنسحب على المشهد السياسي ما بعد السابع من أيار، ليعود ويتجدد مشهد 8 و14 آذار وان بقالب جديد يجاري كل التطورات التي شهدتها المرحلة الماضية.